أسئلة شائعة حول لقاح فيروس كورونا (COVID-19)
شهد العالم منذ أواخر عام 2019 جائحة فيروس كورونا (COVID-19) التي أثّرت بعمق على جميع جوانب الحياة. في خضم هذا الواقع الصحي الجديد، أصبحت اللقاحات إحدى الأدوات الأكثر أهمية في مكافحة الفيروس والحد من انتشاره. منذ بدء توزيع لقاحات كورونا في أواخر عام 2020، ظهرت الكثير من الأسئلة في أذهان الناس تتعلق بسلامتها، فعاليتها، آلية عملها، الآثار الجانبية المحتملة، مدى الحاجة إلى أخذها، وغيرها من الاستفسارات التي تعكس مزيجًا من القلق الطبيعي والرغبة في التثقّف الصحي.
في هذا المقال، يتم تناول الأسئلة الشائعة المتعلقة بلقاحات فيروس كورونا من منظور علمي مدعوم بالبيانات والحقائق الطبية الدقيقة، مع توضيح الجوانب الأساسية والمتقدمة التي تهم القراء والمهتمين بالصحة العامة.
أولًا: ما هو لقاح فيروس كورونا وكيف يعمل؟
لقاحات فيروس كورونا تم تطويرها لتحفيز جهاز المناعة على التعرف على الفيروس المسبب لمرض COVID-19 ومهاجمته إذا ما تم التعرض له لاحقًا. تختلف أنواع اللقاحات في آليات عملها، ولكن الهدف المشترك بينها جميعًا هو تكوين ذاكرة مناعية داخل الجسم.
الأنواع الأساسية للقاحات:
| نوع اللقاح | آلية العمل | أمثلة شهيرة |
|---|---|---|
| لقاحات الحمض النووي (mRNA) | تُرسل تعليمات إلى الخلايا لإنتاج بروتين يشبه البروتين الشوكي للفيروس، مما يُحفز الاستجابة المناعية | فايزر-بيونتيك، موديرنا |
| لقاحات الفيروس المعطل | تحتوي على نسخة ميتة من الفيروس لا تسبب المرض ولكن تحفز المناعة | سينوفارم، كورونافاك |
| لقاحات النواقل الفيروسية | تستخدم فيروسًا غير ضار (مثل الفيروس الغدي) لنقل جين البروتين الشوكي للفيروس المستهدف | أسترازينيكا، سبوتنيك V، جونسون آند جونسون |
| لقاحات البروتين المُعاد تجميعه | تستخدم أجزاء من الفيروس (عادة البروتين الشوكي) لخلق استجابة مناعية | نوفافاكس |
هذه التقنيات لم تكن جديدة بالكامل، بل بُنيت على أبحاث تراكمت لعقود، خصوصًا في مجالات لقاحات الإنفلونزا، الإيبولا، وسارس.
ثانيًا: ما مدى فعالية لقاحات فيروس كورونا؟
أظهرت التجارب السريرية والتحليلات اللاحقة أن اللقاحات المعتمدة آمنة وفعالة بدرجات متفاوتة في الوقاية من العدوى، وبدرجة أكبر في منع المضاعفات الخطيرة مثل دخول المستشفى والوفاة. فعلى سبيل المثال، أظهرت تجارب لقاح فايزر-بيونتيك في المراحل الأولى فعالية بنسبة تصل إلى 95٪ في الوقاية من العدوى المصحوبة بأعراض. ومع مرور الوقت وظهور المتحورات، انخفضت الحماية من العدوى الطفيفة، لكن ظلت الفعالية مرتفعة في منع الأعراض الشديدة.
وقد أظهرت دراسات مختلفة أن أخذ جرعات معززة يحافظ على مستوى حماية جيد ضد المتحورات الجديدة مثل أوميكرون وبي.أيه.5 وEG.5. وهذه البيانات تأتي من مراكز الأبحاث والوكالات الصحية حول العالم، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
ثالثًا: هل اللقاحات آمنة؟ وما هي الآثار الجانبية المحتملة؟
تخضع اللقاحات لمراحل دقيقة من التجارب السريرية التي تمر عبر ثلاث مراحل قبل أن تتم الموافقة عليها من الجهات التنظيمية. في كل مرحلة، يتم تقييم السلامة والفعالية بدقة. وبناءً على ملايين الجرعات التي تم إعطاؤها حول العالم، فقد ثبت أن لقاحات كورونا آمنة لغالبية الأشخاص.
الآثار الجانبية الشائعة:
-
ألم في موضع الحقن
-
إرهاق
-
صداع
-
حمى خفيفة
-
قشعريرة
-
ألم في العضلات أو المفاصل
عادةً ما تظهر هذه الأعراض خلال 24-48 ساعة من تلقي اللقاح وتختفي تلقائيًا في غضون أيام قليلة.
الآثار الجانبية النادرة:
بعض الحالات النادرة مثل التهاب عضلة القلب بعد لقاح mRNA لوحظت خصوصًا بين الشباب الذكور، لكنها حالات نادرة وغالبًا ما تكون خفيفة وتُشفى تلقائيًا. كما ظهرت تقارير عن تجلطات دموية نادرة جدًا بعد لقاح أسترازينيكا، ما دفع بعض الدول إلى تقييد استخدامه في فئات عمرية محددة.
تُؤكد الهيئات الصحية مثل وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أن الفوائد تفوق بكثير المخاطر المحتملة.
رابعًا: من هم الأشخاص الذين يجب عليهم الحصول على اللقاح؟
يوصى بتلقي اللقاح لجميع الأشخاص البالغين ما لم يكن لديهم موانع صحية معروفة، مثل حساسية مفرطة لأحد مكونات اللقاح. ويُشجّع بشكل خاص الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر للإصابة بمضاعفات خطيرة من COVID-19 على تلقي اللقاح، وهم:
-
كبار السن (فوق 60 عامًا)
-
أصحاب الأمراض المزمنة (السكري، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، السرطان)
-
العاملون في المجال الصحي
-
الحوامل (حسب توصيات منظمة الصحة العالمية والهيئات الوطنية)
وقد أظهرت الدراسات أن تلقي الحوامل للقاح لا يضر الجنين، بل على العكس، يمنح مناعة للجنين من خلال الأجسام المضادة المنقولة.
خامسًا: هل هناك حاجة إلى جرعات معززة؟ ولماذا؟
مع ظهور المتحورات الجديدة وانخفاض المناعة بمرور الوقت، أصبحت الجرعات المعززة ضرورية للحفاظ على مستويات الحماية العالية. الجرعة المعززة تساعد جهاز المناعة على تذكّر الفيروس بشكل أفضل، كما تعمل على توسيع نطاق الاستجابة المناعية لتشمل المتحورات الجديدة.
بعض الدراسات تشير إلى أن الجرعات المعززة ترفع من فعالية الوقاية من الإصابة الشديدة بنسبة تصل إلى 90٪ ضد متحور أوميكرون، وقد أوصت الكثير من الدول بإعطاء جرعة معززة بعد 6 أشهر من الجرعة الثانية، أو من آخر إصابة طبيعية مؤكدة بالفيروس.
سادسًا: ما هي الفروقات بين اللقاحات المختلفة؟ وهل بعضها أفضل من الآخر؟
لا يمكن القول بأن هناك “أفضلية” مطلقة للقاح معين على آخر، لأن الفعالية تتغير بتغيّر المتحورات، البيئة، العمر، والحالة الصحية للفرد. ولكن يمكن مقارنة بعض الجوانب التقنية والميدانية:
-
لقاحات mRNA مثل فايزر وموديرنا تظهر فعالية عالية ضد المتحورات لكنها تحتاج إلى تبريد بدرجات منخفضة جدًا.
-
لقاحات الفيروس المعطل مثل سينوفارم أسهل في النقل والتخزين، وتستخدم تقنيات تقليدية، مما يجعلها مفضلة في بعض الدول النامية.
-
لقاحات النواقل الفيروسية مثل أسترازينيكا أظهرت فعالية جيدة ومرونة لوجستية، لكنها ارتبطت بحالات نادرة من التجلط.
اختيار اللقاح غالبًا ما يعتمد على توافره المحلي، الفئة العمرية، والسياسات الصحية لكل بلد.
سابعًا: هل يمكن الإصابة بكوفيد-19 بعد تلقي اللقاح؟
نعم، يمكن أن تحدث إصابة بالفيروس حتى بعد تلقي اللقاح، ويُطلق على هذا “الإصابة الخارقة” (Breakthrough infection)، لكنها غالبًا ما تكون أقل شدة من حيث الأعراض والمضاعفات، لأن الجسم يكون لديه مناعة مسبقة تساعد على محاربة الفيروس بشكل أسرع. تشير البيانات إلى أن الأشخاص الملقحين أقل احتمالًا بنسبة كبيرة في دخول المستشفى أو الوفاة بسبب الفيروس مقارنة بغير الملقحين.
ثامنًا: هل يؤثر اللقاح على الخصوبة أو الحمل أو الدورة الشهرية؟
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المزاعم غير المدعومة علميًا بشأن تأثير اللقاحات على الخصوبة، الحمل، أو الدورة الشهرية. إلا أن الدراسات لم تثبت وجود علاقة سببية بين لقاحات كوفيد-19 ومشاكل الخصوبة أو الإنجاب. أما بالنسبة للدورة الشهرية، فقد أبلغت بعض النساء عن تغيرات مؤقتة خفيفة بعد اللقاح مثل زيادة النزف أو تأخر الدورة لبضعة أيام، وهو ما يُفسَّر بأنه نتيجة طبيعية لاستجابة الجهاز المناعي، وغالبًا ما تعود الأمور إلى طبيعتها في الدورة التالية.
تاسعًا: هل يمكن الجمع بين أنواع مختلفة من اللقاحات؟
أظهرت الدراسات أن الجمع بين أنواع مختلفة من اللقاحات، أو ما يُعرف بالتحصين المختلط (heterologous vaccination)، يمكن أن يعطي استجابة مناعية قوية وربما أطول أمدًا. فمثلًا، إعطاء جرعة أولى من أسترازينيكا تليها جرعة ثانية من فايزر أثبت فعالية عالية، وقد اعتمدته بعض الدول كسياسة وطنية.
عاشرًا: كيف يتم التعامل مع الأشخاص الذين سبق لهم الإصابة بالفيروس؟
الأشخاص الذين سبق لهم الإصابة بفيروس كورونا يُوصى لهم بأخذ اللقاح بعد فترة من التعافي (عادة بعد 4 إلى 8 أسابيع)، لأن المناعة الطبيعية وحدها قد لا تكون كافية لمواجهة المتحورات الجديدة، ولأن اللقاح يُعزز من قوة ومدى استجابة الجهاز المناعي.
المراجع:
-
منظمة الصحة العالمية (WHO): https://www.who.int
-
مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC: https://www.cdc.gov
هذا المقال يعكس المعطيات العلمية والطبية حتى وقت الكتابة، ويُوصى دائمًا بمتابعة التحديثات من المصادر الصحية الرسمية في كل بلد نظرًا لتطور المعلومات المتعلقة بالجائحة واللقاحات بشكل مستمر.
